في مثل هذا اليوم
تحويل القبلة من القدس الشريف إلى الكعبة
] سَيَقُولُ السُّفَهَآءُ مِنَ النّاس مَا وَلاّهُمْ عَن قِبْلَتِهِمُ الَّتِى
كَانُواْ عَلَيْهَا قُل للّه الْمَشْرِقُ وَالْمَغْرِبُ يَهْدِي مَن يَشَآءُ إِلَى
صِرَاطٍ مُّسْتَقِيمٍ * وَكَذَلِكَ جَعَلْنَاكُمْ أُمَّةً وَسَطًا لِّتَكُونُواْ
شُهَدَآءَ عَلَى النّاس وَيَكُونَ الرَّسُولُ عَلَيْكُمْ شَهِيدًا وَمَا جَعَلْنَا
الْقِبْلَةَ الَّتِي كُنتَ عَلَيْهَآ إِلاَّ لِنَعْلَمَ مَن يَتَّبِعُ الرَّسُولَ
مِمَّن يَنقَلِبُ عَلَى عَقِبَيْهِ وَإِن كَانَتْ لَكَبِيرَةً إِلاَّ عَلَى
الَّذِينَ هَدَى اللّه وَمَا كَانَ اللّه لِيُضِيعَ إِيمَانَكُمْ إِنَّ اللّه
بِالنَّاسِ لَرَءُوفٌ رَّحِيمٌ * قَدْ نَرَى تَقَلُّبَ وَجْهِكَ فِي السَّمَآءِ
فَلَنُوَلِّيَنَّكَ قِبْلَةً تَرْضَاهَا فَوَلِّ وَجْهَكَ شَطْرَ الْمَسْجِدِ
الْحَرَامِ وَحَيْثُ مَا كُنتُمْ فَوَلُّواْ وُجُوهَكُمْ شَطْرَهُ وَإِنَّ
الَّذِينَ أُوتُواْ الْكِتَابَ لَيَعْلَمُونَ أَنَّهُ الْحَقُّ مِن رَّبِّهِمْ
وَمَا اللّه بِغَافِلٍ عَمَّا يَعْمَلُونَ * وَلَئِنْ أَتَيْتَ الَّذِينَ أُوتُواْ
الْكِتابَ بِكُلِّ ءَايَةٍ مَّا تَبِعُواْ قِبْلَتَكَ وَمَآ أَنتَ بِتَابِعٍ
قِبْلَتَهُمْ وَمَا بَعْضُهُم بِتَابِعٍ قِبْلَةَ بَعْضٍ وَلَئِنِ اتَّبَعْتَ
أَهْوَآءَهُم مِّن بَعْدِ مَا جَآءَكَ مِنَ الْعِلْمِ إِنَّكَ إِذَا لَّمِنَ
الظَّالِمِينَ * الَّذِينَ آتَيْنَاهُمُ الْكِتَابَ يَعْرِفُونَهُ كَمَا
يَعْرِفُونَ أَبْنَآءَهُمْ وَإِنَّ فَرِيقًا مِّنْهُمْ لَيَكْتُمُونَ الْحَقَّ
وَهُمْ يَعْلَمُونَ * الْحَقُّ مِن رَّبِّكَ فَلاَ تَكُونَنَّ مِنَ الْمُمْتَرِينَ*
وَلِكُلٍّ وِجْهَةٌ هُوَ مُوَلِّيهَا فَاسْتَبِقُواْ الْخَيْرَاتِ أَيْنَ مَا
تَكُونُواْ يَأْتِ بِكُمُ اللّه جَمِيعًا إِنَّ اللّه عَلَى كلّ شَيْءٍ قَدِيرٌ*
وَمِنْ حَيْثُ خَرَجْتَ فَوَلِّ وَجْهَكَ شَطْرَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ وَإِنَّهُ
لَلْحَقُّ مِن رَّبِّكَ وَمَا اللّه بِغَافِلٍ عَمَّا تَعْمَلُونَ * وَمِنْ حَيْثُ
خَرَجْتَ فَوَلِّ وَجْهَكَ شَطْرَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ وَحَيْثُ مَا كُنتُمْ
فَوَلُّواْ وُجُوهَكُمْ شَطْرَهُ لِئَلاَّ يَكُونَ للنّاس عَلَيْكُمْ حُجَّةٌ
إِلاَّ الَّذِينَ ظَلَمُواْ مِنْهُمْ فَلاَ تَخْشَوْهُمْ وَاخْشَوْنِي ولأتمّ
نِعْمَتِي عَلَيْكُمْ وَلَعَلَّكُمْ تَهْتَدُونَ * كَمَآ أَرْسَلْنَا فِيكُمْ
رَسُولاً مِّنْكُمْ يَتْلُواْ عَلَيْكُمْ آيَاتِنَا وَيُزَكِيكُمْ وَيُعَلِّمُكُمُ
الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ وَيُعَلِّمُكُم مَّا لَمْ تَكُونُواْ تَعْلَمُونَ *
فَاذْكُرُونِي أَذْكُرْكُمْ وَاشْكُرُواْ لِي وَلاَ تَكْفُرُونِ[ (142ـ152).
معاني المفردات
] السُّفَهَآءُ[ : الناقصو العقول، الحمقى الذين يفتقدون الميزان الصحيح في النظرة
إلى الأمور والأحداث، وقال ابن عربي في تفسيره: «إن كلّ من لم يدرك حقيقة دين
الإسلام فهو سفيه، لأنه خفيف العقل»[1].
] وَلَّـهُمْ[ : ولاّه عنه: صرفه وفتله. وولى عنه خلاف ولي إليه، مثل قولك: عدل عنه
وعدل إليه وانصرف عنه وانصرف إليه. فإذا كان الذي يليه متوجهاً إليه فهو متولٍّ
إليه، وإذا كان متوجهاً إلى خلاف جهته فهو متولٍّ عنه.
] وَسَطًا[ : الوسط: السواء والعدل والنَّصفة، لأنَّ الوسط عدل بين الأطراف، ليس
إلى بعضها أقرب من بعض، وقيل الخير. قال صاحب العين: الوسط من كلّ شيء أعدله
وأفضله[2]. فكون الأمّة وسطاً ـ بناءً على هذا ـ لما تملكه من موقع أصيل يجعلها
مرجعاً وميزاناً يؤهلها لممارسة دور الشهادة والقيادة، وقيل في صفة النبيّ محمَّد
(ص): كان من وسط قومهم أي من خيارهم.
] شُهَدَآءَ[ : من الشهادة التي هي الحضور مع المشاهدة، إمّا بالبصر أو بالبصيرة،
والشهداء إمّا من شهادة الأعمال أو من الحجّة والبيّنة. قال العلامة الطباطبائي في
الميزان: «معنى الشهادة غاية متفرعة في الآية على جعل الأمّة وسطاً، فلا محالة تكون
الوسطية معنى يستتبع الشهادة والشهداء»[3].
] الْقِبْلَةَ[ : مأخوذة من الاستقبال، وهي كلّ جهة يستقبلها الإنسان فيقابل غيره
عليها، ثُمَّ صارت عَلَماً على الجهة التي تستقبل في الصلاة.
] عَقِبَيْهِ[ : العقب: مؤخر القدم. والانقلاب على العقبين كناية عن الإعراض، فإنَّ
الإنسان ـ وهو منتصب على عقبيه ـ إذا انقلب من جهةٍ إلى جهةٍ انقلب على عقبيه، وقد
استُعير هنا لمن يكفر باللّه ورسوله، لأنَّ المنقلب على عقبيه يترك ما بين يديه
ويدبر عنه، وحيث إنَّ تارك الإيمان هو بمنزلة المُدْبِر عمّا بين يديه، وصف بذلك.
] لَكَبِيرَةً[ : ثقيلة وشاقة. قال الراغب: تستعمل الكبيرة في ما يشق ويصعب[4].
] لَرَءُوفٌ[ : الرأفة أشدّ الرحمة. رأف به: أشفق عليه من مكروه يحل به.
] تَقَلُّبَ[ : التحرّك في الجهات. قال الزمخشري: «{تَقَلُّبَ وَجْهِكَ} تردّد وجهك
وتصرف نظرك في جهة السَّماء»[5]، ] فَلَنُوَلِّيَنَّكَ قِبْلَةً[ أي: صيرناك
تستقبلها بوجهك.
] شَطْرَ[ : جهة، ونحو، وشطر المسجد الحرام نحوه وتلقاءه، قال صاحب العين: شطر كلّ
شيء نصفه، وشطره نحوه وقصده[6].
] الْمُمْتَرِينَ[ : الشاكّين المتردّدين. قال الراغب: «المرية: التردّد في الأمر
وهو أخص من الشك... والامتراء والمماراة المحاجّة في ما فيه مِرية... وأصله من
مَرَيت الناقة إذا مسحت ضرعها للحلب»[7]. قال صاحب العين: المري مسحك ضرع الناقة
تمريها بيدك لتسكن للحلب[8].
] حُجَّةٌ[ : الحجة: الدلالة المبيِّنة للمحجّة أي المقصد المستقيم؛ ] قُلْ
فَلِلَّهِ الْحُجَّةُ الْبَالِغَةُ فَلَوْ شَآءَ لَهَدَاكُمْ أَجْمَعِينَ[ .
[الأنعام:149]. قال الراغب في الآية: «يجوز أنه سُمِّي ما يحتجون به حجة»[9]. ولهذا
فقد يراد من الحجة البينة الواضحة أو ما يحتج به ولو كان غير مبين، أو المحاجة
والمنازعة.
] تَخْشَوْهُمْ[ : الخشية: خوف يشوبه تعظيم.
] وَيُزَكِيكُمْ[ : ينمّيكم ويطهركم، قال الراغب: «أصل الزكاة النمو الحاصل عن بركة
اللّه تعالى، ويعتبر ذلك بالأمور الدّنيويّة والأخروية. يُقال: زكا الزرع يزكو إذا
حصل منه نموّ وبركة»[10]، ولهذا تشمل التزكية إزالة العقائد الفاسدة كالشرك والكفر،
والملكات الرذيلة كالكبر والشح، والأعمال الشنيعة كالقتل والزنى وشرب الخمر.
] وَالْحِكْمَةَ[ : قال الراغب: «إصابة الحقّ بالعلم والعقل، فالحكمة من اللّه
تعالى معرفة الأشياء وإيجادها على غاية الإحكام، ومن الإنسان معرفة الموجودات وفعل
الخيرات، وهذا هو الذي وصف به لقمان في قوله عزَّ وجلّ: ] وَلَقَدْ ءَاتَيْنَا
لُقْمَانَ الْحِكْمَةَ[ »[11] [لقمان:12] قال الطبرسي: «الحكمة هي العلم الذي يمكن
به الأعمال المستقيمة»[12]، وربما كانت الحكمة توحي بانسجام التطبيق العملي في حركة
الإنسان مع النظرية التي تمثّل الخطّ الفكري الذي يؤمن به. ويلتقي هذا بالمأثور عن
الحكمة بأنها وضع الشيء في موضعه.
] أَذْكُرْكُمْ[ : قال الراغب: «الذكر ذكران: ذكر بالقلب وذكر باللسان، وكلّ واحد
منهما ضربان، ذكر عن نسيان، وذكر لا عن نسيان بل عن إدامة الحفظ»[13]. فذكر اللّه
للنّاس هو أن يذكرهم بتسديده وتوفيقه وعفوه وغفرانه بعدما يذكرونه في الألسن
والقلوب والمواقف.
] وَاشْكُرُواْ[ : الشكر ثلاثة أضرب: شكر القلب، وهو تصوّر النعمة، وشكر اللسان،
وهو الثناء على المنعم، وشكر سائر الجوارح، وهو مكافأة المنعِم بقدر استحقاقه.
والشكر تصوّر النعمة وإظهارها، ويضاده الكفر وهو نسيان النعمة وسترها.
* * *